اشعار نزار قباني

امنحيني الحب حتى اصبح اخضرا





أسمعيني جيدا...

أسمعيني جيدا...

أنا في حالة عشق , ربما لا تتكرر

حالة شعرية.... صوفية....

رائعة في حزنها

وأنا دوما في حزني أتعطر....

عانيقيني جيدا....

أنا في حال أنعدام الوزن....يا سيدتي

فعروقي تتلاشى....وعظامي تتبخر....

أغسلي شعرك في نهر جنوني....

فجنون الحب.... شيء لا يفسر....

أقرأيني جيدا....

فأنا أبحث عن قارئة مهوسة

تضع الاشعار في معصمها

مثل الاساور....

وترى العالم مرسوما على صورة شاعر....

اسكري بي....

أسكري بي....

اسكري حتى يصير البحر ورديا....

نبيذيا....رامديا....وأصفر....

كم جميل أن تضيع أمرأة

عقلها في حضرة الشعر....وتسكر....

أنا في أجمل حالاتي....

وفي أزهى حضاراتي....

وكم يعجبني أن أتحضر....

فامنحيني فرصة أخرى , لكي أكتب التاريخ

التاريخ , يا سدتي , لا يتكرر....

أنتي بالحب غيرتي زماني

مثلما غيرت تاريخ الانوثة....

ما هو الشعر أذا لم يغير؟

من هو الشاعر أن لم يتغير؟

كلما زادن أقاصيص الهوى

في بلادي قصة....

تحبل الوردة طيبا....

وهلال الصيف , يكتظ حليبا....

يا التي جاءت الى ذاكرتي

من بياض الياسمين

متن سواقي الماء في غرناطة

ودموع الماندولين

ما الذي يمكن أن نفعله؟

البيانو غارق في دمعه....والمواني كلها مغلقة

ونبيذ البحر أحمر....

ليس عندي للهوى خارطة....

فهو يوما وردة في عروتي

وهو يوما في فراش الحب خنجر....

وهو يوما في فمي....قطعة سكر....


منذ خمسين سنة....

وانا أقفز من لغم الى لغم....

لم أفجر حائط القبح - كما خيل لي-

أنما كنت بناري أتفجر....

منذ خمسين سنة....

لم أقابل ظبية تهرب من صيادها....

أو عرفت أمرأة راغبة أن تتحرر!!

أن ما يذهلني ....كلما جئت الى موعدنا

أن لون الوقت في ساعتنا....

أصبح أخضر....

وبأن البن في قهوتنا أصبح أخضر....

وبأن الشوق في أحداقنا ....

أصبح أخضر....

ما الذي يجري بتاريخي ....

وبتاريخيك , يا سيدتي ؟

كلما وزعت قبلاتي على شعرك....

طال الشعر أكثر!! ....

أن ما يدهشني....

ذلك الاحساس في كل صباح

أن ما أبصره يصبح شعرا....

أن ما ألمسه يصبح شعرا....

أن أشيائي وأشياءك-مهما صغرت-

تصبح شعرا....

ركوة القهوة , في حال الهوى - تصبح شعرا....

كتيت الشعر التي تعجبنا....

ضحكة البرنس في الحمام....

صوت الماء ينساب على سلسلة الظهر سعيدا....

ألة التسجيل....

تنويعات شوبان....

أضاءات موزارت....

ومذاق القبلة الاولى على الريق....

وغوص القدم البيضاء في الموكيت....

لمس الشعر بالفرشاة....

وضع الكحل في زاوية العينين....

ماذا يتبقى؟

كي يصير الكون موسيقى وشعرا؟؟

تلك صفحات من التاريخ , يا سيدتي

أبدا لن تتكرر....

أبدا لن تتكرر....

ما الذي ينتابني في هذه الايام , يا سيدتي ؟

كل ما أقرؤه يصبح أخضرا....

كل ما أكتبه يصبح أخضرا....

لغتي خضراء....

والاسماء....

والافعال....

والهمزات....

والفتحات....

والضمات....

والايقاع أخضر....

وعروض الشعر أاخضر....

ما الذي خلط الالوان في أعيننا؟

أن تكلمنا على الهاتف....

صار الصوت أخضر....

او تمددنا على الديوان....

صار القمح في أبطيك أخضر....

أو تسكعنا على أرصفة الحزن....

وجدنا ان لون الحزن أخضر....

أو جلسنا مرة في أي مقهى....

اصبح النادل من عطرك أخضر!! ....

أه....سا سيدة الماء التي تأخذني

للينابيع....

وتهديني نجوما....وكروما....وصنوبر....

ألف شكر لعطاياك ....فأني

عشت في التيه طويلا....

ثم أصبحت -بفضل الحب- أخضرا!! ....