[center]
بدت الطفلة "لين بدران" مستغرقة بعبير براءتها الفواح، وكأن إشعاعا أخاذا يخرج من بين حنايا وجهها الجميل، حين انهمكت بتحليلها للحروف وقراءتها للكلمات المكتوبة ببراعة تامة، في محاولة منها لإثبات أنها كالكبار تجيد القراءة، وهي ابنة ثلاث سنوات فقط.
باتت "لين" تحلل الحروف وتلتقط أنفاسها بعمق بعد كل كلمة تتمكن من تهجئتها، معتبرة أنها حققت إنجازا ماراثونيا عظيما!!
مختلسة النظر لمن حولها، باحثة عن المعجبين بلطف لينضموا إلى صفوف المشجعين.. كي تحقق المزيد من قراءة الكلمات.
اتبعت معلمة "لين" في روضة عبق الرياحين كتاب "تحفة البنيان على قاعدة النور" بعد دورة أخذتها في طريقة تعليم الكتاب في تعليمها لطلابها القراءة، مؤكدة أن تلك الطريقة تمكنت من إكساب أطفال لم تتجاوز أعمارهم ثلاث سنوات مهارة القراءة، بعد أن أثبتت "قاعدة النور" قدرتها على التعاطي مع خصائص الطفولة وتوظيفها بشكل لافت، محققة إنجازا جيدا في مجال تعريف الطلاب بالحروف والحركات وكيفية دمج الحروف لتشكيل الكلمات وفق المعلمة "أم أسامة".
وتعتمد "تحفة البنيان" تعليم الطفل أشكال الحروف، ثم حركات الحروف، ومن ثم تدريبه على دمج الحروف لتكوين الكلمات، ويتم التركيز أثناء تعريف الطالب بالحروف على نطق اسم الحرف وليس صوته، بحسب ما أشارت المعلمة "أم أسامة" لـ"السبيل".
ومن جانبها، أشارت مديرة مركز عبق الرياحين "منال البابلي" إلى أن المركز يهتم بتخريج الطفل، متقنا نطق الحرف العربي باللهجة القرآنية، متمكنا من الترقيق والتفخيم وإعطاء الغنة والالتزام بالمدود.
ويعود التعليم "بقاعدة النور" إلى منبته الأصلي في الهند والباكستان، حيث أوضحت مدربة مركز "البنيان" في إربد نسيبة القواسمي التي اتبعت التدريس بتلك القاعدة منذ سبع سنوات في محافظة إربد لـ"السبيل" أن صاحب فكرة هذا الكتاب في التعليم هو الشيخ الهندي المسلم "نور محمد حقاني".
كان الشيخ نور محمد حقاني ملتزما بتدريس اللغة العربية بهذه الطريقة في المساجد على نظام "الكتاتيب" منذ قرابة 70 سنة.
وانتقلت هذه الطريقة لتدريس اللغة العربية إلى الأردن عبر احتكاك "رجال الدعوة والتبليغ" الأردنيين بالمسلمين الهنود أثناء رحلاتهم العديدة لتبليغ الدعوة في تلك القارة، حيث اكتسبوا تلك المهارة، وبدؤوا اتباعها في تدريس الأطفال للغة العربية، وكذلك الأميين الكبار والناطقين بغير العربية في المساجد والمراكز المتخصصة, على حد قول القواسمي التي أعطت عشرات الدورات التدريبية في طريقة تدريس "كتاب تحفة البنيان على قاعدة النور"، حيث تخرج من تلك الدورات قرابة الـ500 من المعلمات المؤهلات.
وتهدف "تحفة البنيان" إلى تقوية القراءة باللغة العربية لإتقان قراءة القرآن، متبعة نظام الانتقال من قراءة الجزء إلى الكل، علما أن تدريس اللغة العربية في المدارس الأردنية الأساسية، وتحديدا الصف الأول يتبع نظام التعليم من الكل إلى الجزء.
ومن جهته، بين مدير مركز البنيان في محافظة إربد ومؤلف الكتاب المنهجي الذي حمل عنوان "تحفة البنيان على قاعدة النور" مجدي إسماعيل شناعة أن الفئة المستهدفة لتدريسها بتلك القاعدة 80 في المئة منها أطفال في الصف الأول وما دونه، إضافة إلى تعليمها للأميين الكبار من الرجال والسيدات.
وأشار شناعة لـ"السبيل" إلى أنه راعى أثناء إعداده للكتاب الذي يُعتمد حاليا للتدريس في العديد من المراكز التابعة لجمعية الصالحين وجمعية المحافظة على القرآن الكريم إلى تحديد ألوان معينة للحركات فالفتحة بالأحمر، والكسرة بالأخضر.
وهكذا لتساعد الطفل على التمييز بينها، ليتمكن من لفظها بطريقة جيدة دون أن يختلط عليه الأمر، إضافة إلى أنه اجتهد في الإكثار من الأمثلة لكل درس من كتاب تحفة البنيان لترسيخ المعلومة في ذهن الطالب.
وفي ذات السياق، قال شناعة إن التدريس بهذه الطريقة أدى إلى سرعة انتشارها في الأردن، حيث لاقت استحسانا لدى الكثير من أهالي الأطفال والأميين، لافتا إلى أنه حاول عرض الفكرة على مدراء مدارس حكومية ليتم تبني الطريقة من قبل وزارة التربية والتعليم لتدريسها لطلاب المراحل الأساسية, إلا أنه لم يتلق ردا شافيا.
بيد أن شناعة أكد أن هناك العديد من الروضات الخاصة تبنت تعليم كتاب تحفة البنيان للغة العربية، مشيرا إلى أن هناك أكثر من مئة مدرسة وروضة ومركز قرآني تدرس التحفة في الأردن، وخاصة في مدينة إربد، مضيفا أن العديد من الأمهات في المنازل يدرسن أبناءهن بهذه الطريقة في المنازل مستعينات بالأشرطة والسي دي المرافق لكتاب التحفة، ويشرف شناعة على بعض تلك الحالات.
وإلى ذلك، أظهر شناعة أنه تمكن من خلال مشاركته في بعض المؤتمرات من إيصال هذه الطريقة إلى كل من أمريكا، وأستراليا، وألمانيا، وروسيا، والسودان، والخليل.
ومن جانبها، أشارت مديرة روضة عبق الرياحين هبة أبو شلبك التي تعتبر الروضة الأولى التي تدرس الطلاب تحفة البنيان منذ قرابة العام في العاصمة عمان، إلى أن هذه التحفة ساعدت المعلمات وبشكل ملحوظ على تعليم اللغة العربية، ولمن يعانون من صعوبات تعلم. ولفتت إلى أن التدريس بهذه الطريقة يحتاج إلى تخصيص معلمة لكل طالب كي تتابعه فرديا ويوميا بشكل حثيث أثناء التدريب على القراءة، الأمر الذي يتطلب جهدا ووقتا كبيرا، مشيرة إلى أن بعض الطلاب يستغرق شهرين لإتقان القراءة من سن 3-5 سنوات، والبعض يحتاج إلى 5 شهور أو عام كامل، موضحة أن البرنامج يراعي الفروقات الفردية لدى الطلاب. وشددت المديرة أنه إلى جانب التركيز على اللغة العربية والقرآن الكريم، فإن هناك متابعة كثيفة لتدريس الرياضيات والإنجليزي، ومتابعة الأمور التربوية مع الطالب، من خلال استضافة مختصين بهذا المجال يلتقون بشكل دوري بالطلاب.
وبدورها، اعتبرت والدة الطفلة نور عقل أن هذه الطريقة تعفي الأهل من متابعة الطلاب في المنزل، مبدية لـ"السبيل" سرورها لإتقان طفلتها القراءة، وهي لم تتجاوز 5 سنوات، لافتة إلى أن ابنتها كانت تعاني من لفظ حرف "الراء" "لاء"، إلا أنها تمكنت من لفظ الحرف من مخرجه الصحيح بعد تعليمها "تحفة البنيان على قاعدة النور".
ويرى مشرف اللغة العربية توفيق البنا أن المناهج الدراسية للصف الأول التي كانت تعتمدها وزارة التربية والتعليم سابقا كانت تتبع أسلوب تعليم القراءة والكتابة "من الجزء إلى الكل"، أي من تعريف الطلاب الحروف، ومن ثم تكوين كلمات منها فيما بعد، إلا أن الوزارة غيرت المنهاج القديم وبدأت تطبيق أسلوب أكثر حداثة في تعليم القراءة للأطفال بعد إخضاعه للتجريب، وهو أسلوب "من الكل إلى الجزء"، أي تعريف الطلاب بالكلمات ومن ثم الحروف.
ومن جهته، يشير توفيق لـ"السبيل" أن المدارس الخاصة لها حرية اختيار المناهج بعد تعريف التربية فيها وأخذ الموافقة عليها، مثنيا على طريقة النور" بتعليم اللغة العربية، مشيرا إلى أنها تعتبر أسلوبا من أساليب التدريس الذي يحقق نتائج جيدة[/center]